عامر علي
السبت 28 حزيران 2025
لوحة إعلانية في تل أبيب كُتب عليها: «زمن الحرب زمن التسوية؛ الآن هو وقت العهد الإبراهيمي» (أ ف ب)
أثناء استقباله وفداً من القنيطرة والجولان السوري المحتلّين، أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مرة أخرى، دخوله مفاوضات مع إسرائيل تهدف إلى «وقف الاعتداءات»، من دون أن يخوض في تفاصيل هذه المفاوضات التي قال إنها «غير مباشرة» وتتمّ عبر وسطاء دوليّين بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وأشار إلى أنّ «القيادة السورية نجحت، بالتعاون مع شركاء دوليين، في إيقاف مخطّط إسرائيلي كان يستهدف تجريف أراضٍ حرجية ومنازل مدنية في البلدات القريبة من السياج الإسرائيلي مع الجولان المحتل، وكان من شأنه تهجير عشرات العائلات»، وفق تعبيره.
وتزامنت التصريحات الجديدة للشرع، مع عودة الحديث عن اتفاقات «آبراهام» المرعية أميركياً لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، والتي أفضت عام 2020 إلى أكبر موجة تطبيع، حتى الآن، بعد انضمام الإمارات والبحرين والمغرب والسودان إليها، فيما ثمة تفاؤل اليوم كشف عنه مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بانضمام دول عربية «لم يفكّر الناس بأنها قد تنضمّ» إليها.
وإذ أعلن ويتكوف أنّ إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «تبذل جهوداً لتوسيع نطاق اتفاقات آبراهام الهادفة إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية»، فهو أشار إلى أنّ الولايات المتحدة تواصل مناقشة التحديات في المنطقة، بما في ذلك «الأوضاع في سوريا ولبنان وإيران»، مضيفاً إنّ بلاده تتّفق مع فكرة عدم السماح لهذه الأخيرة بامتلاك أسلحة نووية.
وتزامنت تصريحات ويتكوف مع تصريحات أخرى أطلقها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أمام الكنيست، تحدّثت عن إمكانية التطبيع مع لبنان وسوريا، في وقت قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنّ «الانتصار» على إيران يُتيح فرصاً لاتّفاقات سلامٍ جديدة لا يجب على إسرائيل أن تُضيّعها، على حدّ قوله. وتابع، في بيان، إنّ ذلك «الانتصار» يتيح فرصة لتوسيع نطاق اتفاقيات السلام بشكل هائل، مشيراً إلى أنّ حكومته تعمل على ذلك بـ«حماسة».
اقتصرت ردود الفعل في الشارع السوري على بعض المنشورات الغاضبة والمعترضة على التطبيع
أمّا المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، سفير واشنطن في أنقرة، توماس باراك، فخرج بتصريحات جديدة أكّد عبرها أنّ الحكومة السورية تُجري ما سمّاه «حواراً هادئاً» مع إسرائيل حول عدد من القضايا، بما في ذلك قضية الحدود، ووجود الجيش الإسرائيلي على الأراضي السورية (احتلال إسرائيل لمناطق واسعة في الجنوب السوري)، ولذلك «يجب أن نكون متفائلين ونمنح سوريا فرصة». وتابع، عبر منصة «إكس»، إنّ سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد، فتح الباب أمام «السلام» بين إسرائيل وسوريا، مضيفاً إنّ رفع العقوبات سيسمح للشعب السوري بـ«التحرّك نحو الرّخاء والأمن»، بحسب قوله.
وفي الإطار نفسه، أشارت قناة «كان» الإسرائيلية، في تعليق لها على تغيّر الموقف السوري من إسرائيل في عهد الإدارة الجديدة، إلى أن ّ«دمشق لم تعترض على استخدام إسرائيل مجالها الجوي للهجمات على إيران، ولم تُدِن الهجوم الإسرائيلي على إيران إطلاقاً، ولكنها دانت بشدّة الهجوم الإيراني على القاعدة الأمريكية في قطر». وتابعت القناة، نقلاً عن مصدر سوري مطّلع لم تسمّه، إنّ دمشق لا تستبعد إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع تل أبيب بحلول نهاية ولاية ترامب.
وتأتي الحماسة الإسرائيلية والأميركية، والتأكيدات السورية لتوسيع قنوات التواصل بين دمشق وتل أبيب، بعد سلسلة من اللقاءات المباشرة وغير المباشرة التي تمّت في تل أبيب وأبو ظبي وآذربيجان، في إطار ما اعتبره المبعوث الأميركي إلى سوريا «مساعي لاتفاقات أمنيّة»، تمهّد لتوقيع اتفاقية تطبيع بين الطرفين، من دون أي توضيحات حول مصير الجولان السوري المحتل، والمناطق الواسعة التي احتلّتها إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد. وشملت تلك المناطق المرتفعات الإستراتيجية، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ، ومنابع المياه العذبة، بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية تعمل إسرائيل على جعلها دائمة في المنطقة التي احتلّتها، عبر عمليات تهجير للسكان من محيط القواعد، وتجريف للأراضي والأحراش، وتوغّل وتفتيش دوريّين للقرى والمدن التي تحتلّها، في محاولة لفرض سلطة أمر واقع عليها. ويأتي هذا فيما لا يبدو أنّ إسرائيل ستقبل خلال المباحثات مع الإدارة السورية الجديدة، بالتخلّي عن المناطق التي احتلّتها، ناهيك عن الجولان الذي ضرب ترامب، أثناء ولايته السابقة، بالقوانين والأعراف الدولية في شأنه عرض الحائط، عندما أعلن اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل عليها.
وفي مقابل التكثيف الإعلامي والسياسي غير المسبوقَين حول اقتراب التطبيع بين الإدارة السورية وإسرائيل، لم يشهد الشارع السوري أي ردود فعل واسعة؛ إذ اقتصرت التحركات، حتى الآن، على بعض المنشورات الغاضبة والمعترضة على الذهاب نحو التطبيع، والتي قوبلت بهجمات إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدت منظّمة، في سياق تبرير الخطوة المتوقّعة من الشرع. كما قوبل ذلك بترويج لـ«سوريا الجديدة»، في إشارة إلى الوقوف على «الحياد»، ورفض الانخراط في أي أعمال «عدائية» تجاه الجوار، وبشكل خاص إسرائيل، وفق الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة لانفتاحها على الإدارة، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على دمشق. ويكرّس ذلك بمجمله انطباعاً باقتراب الشرع فعلياً من هذه الخطوة، خصوصاً في ظل الدعم الكبير الذي تقدّمه واشنطن لهذا المسار.